السلام عليكم ورحمة الله
احب ان لقدم لكم هذا الموضوع وارجو ان تكون فائدته عامة للرادود والمجتمع
الرادود في 3 مراحل
إغضاء وهجاء وإطراءقال الله تعالى (وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون)
لما أعطى الله الانسان يدا يعمل بها , أعطاه عينا مبصرة ذواقة للجمال , ليرى بها ما صنعت يداه , فيدخل على نفسه السرور ابتهاجا بما أنجز , ومن ثم وزع الله الذوق على كل جوارح الانسان فلليد ذوق وللسان ذوق وللنفس ذوق وهكذا 0000
فكان لكل عمل نصيب أو قسط من تقويم , والتقييم حالة لايمكن الاستغناء عنها في درجاتها المعتدلة , فهي العصا الرادعة لكل خروج عن الجادة 0 وهي الجائزة الممنوحة لكل نجاح مبهر 0 ولما كان الرادود أحد العاملين في ساحتنا الاسلامية الرسالية بصفة ملحوظة, أحببت أن أضع يدي على جزء من ملابسات معاناته 0 ولأبحر في محيط انفعا لاته السلبية والإيجابية 0 ولا بد لي من إطلالة قصيرة علىأبهة هذا الرادود0
نجومية الرادود
الرادود هذا النجم الساطع في سماء العالم الشيعي ,يشق طريقه بحنجرة فتية تكون رصيدها الجما هيري بتقادم الأيام والمناسبات 0وأقول يشق طريقه بالحنجرة بحسب الرؤية العامة التي يحملها الجمهور0 فالرادود في نظر الجمهور العامي لايتعدى الملكات الصوتية والأداء 0وهذا خطأ شائع ومتواطئ على ترسيخه 0 وإلا فالرادود في نظر الوعي الاسلامي قدوة قبل الحنجرة , والرادود نفس مرسل من أنفاس كربلاء , يجسد لنا صور التضحية والفداء وفناء الذات في المطلب الاسمى , فهذا النفس لا ينبغي أن يعنى بجماله وتهمل خصاله 0 الرادود نفس كربلا ئي يعزف على أوتار القلوب , وبين الحنجرة ونفس الوعي الرسالي , يتملك الاغضاء عطاءاته تارة , وينحدر سيل الاطراء ينفخ بالون الزهو فية تارة , وتنفجر ألسنة الهجاء في مستوى غير مرغوب فيه مرة أخرى 0
لهذا كان لزاما على الرادود أن يحلل هذه المراحل ويمحصها ليصون رسالته من التقلقل في جنبات الفشل أو الانجراف مع اعصار الغرور0
1- إغضاء المستمعين
من المؤلم جدا أن تكلف نفسك عناء قطف زهرة من بين شوك يدمي أناملك وتقدمها لأحدهم ولا تجد لديه فما يترجم شكره لفعلك 0 وكثيرا ما يشعر الرادود بإحباط قاتل وهو يتلقى إعراض الجمهور عن عمل قدمه ولم يتلق منهم إلا إغفالا لعمله وارساله في خانة النسيان , مما يربك حالة التوازن في ثقته بمصداقية دقة الجمهور0
تقويم الحالة :
- الجمهور ليست هي الشريحة المتفردة في اصدار التقييم من الجانب الفني 0 فإن لم نتحصل على تقييمها عفويا فيمكننا أخذ التقييم باللجوء الى استنطاقها بطرق الاستشفاف0
- من الجانب الفني بعض الاعمال تتسم بالوسطية بين النجاح والاخفاق 0 وهذا ما يجعلها في الزاوية المنسية من ذاكرة الجمهور 0 فلو كان العمل بالغ النجاح لذكر ولو كان فاحش الإخفاق لما سلم الرادود 0
- في هذه الحالة على الرادود إعادة النظر في عمله 0 ونقده لعمله بنفسه ليجد مواطن الخلل فيه ويلمس ثغرات التدني في انتاجه ويعالجها
- بعد كل تلك المراحل 0 كان الرادود ساعيا بأقوى ما يملك من جهد وبأفضل الوسائل لينجز عملا متكامل القوة متلا فيا كل خلل , فما عليه إن لم تتنبه أوجه الجمهور لعمله ما دام الله متوجها لعمله وهو مقبل بكلية عمله لله فرب عمل رضي عنه الجمهور ولم يرض عنه الله فإن حاز على رضا الله فليكن كل الناس معرضين عنه ولا ضير 0 أوليس هذا مصداق شعر حسيني كربلا ئي نردده عن الحسين (ع) حيث يقول :
الهـي تركت الخلق طرا في هواك
وايتمت العـــــــــــيال لكي اراكا
فلو قطعتـــــــــــــني في الحب اربا
لما مال الـــــــــفؤاد الى سواك
وفي أسوأ الحالات على المرء أن يسعى وليس عليه أن يكون مو فقا
وعلينا خلوص العمل لله 0 ومن توجه لله مخلصا وجه الله له قلوب العباد مذعنة وهذه نكتة لطيفة في فوائد الاخلاص تشد لتهذيب العمل وتنقيته من زلات الاحباط والعوارض النفسية0
2- نصيب الرادود من الذم
خلق الله الناس بسلا ئق مختلفة وطبائع متباينة فرب زيد من الناس لا يعجبه صوت وأداء أفضل رادود 0ورب عمر آخر يستمتع بأداء من هو دون ذلك بكثير , ولا يخفى علينا ما يواجهه الرادود في مجتمعاتنا من تعرض للوم من جهة اللحن والاداء , في بعض الاحيان ومن تقريع في بعضها الاخر لمجرد عدم توفيق في قصيدةأو خلل في عطائه في فترة معينة 0 وقد يتعرض لعدم رضا الجمهور اطلاقا عما يقدمه0 فإذا كان يبحث عن رضا مطلق فهو اذن يبحث عن غاية لن يجدها إلا في رحم المستحيل0إضافة الى انه اذا كان التقييم مجحفا بحقه فلا بأس على الرادود وليأخذ هذا الحديث بوعي البصيرة 0قال الاما م علي (ع ) ( أيها الناس اعلموا انه ليس بعاقل من انزعج بقول الزور فيه ولا بحكيم من رضي بثناء الجاهل عليه)0
وكثير من الناس يضيق الخناق على الرادود ويقيمه تقيييما متشددا , من منطلق التشدد وعدم الرضا عن كل ما هو مطروح
0 هذا الصنف من الناس لن ترضيه ولو جئت له بالحور العين ينشدن له , فإنه سيستخرج بهن الف علة , فالخلل موجود في الاستقبال وليس من جهة الارسال0
وصنف آخر يحب رادودا ما ولا يحب له أي إلقاء دون القوة وما هو عليه معتاد, فتراه لاينفك يلاحق الرادود بصرامة ارشاداته ممعنا في التدقيق والتحقيق 0 وهذا ممكن ان نحمله طبقا لما جاء به الحديث الشريف ( رحم الله من أهدى الي عيوبي ) 0على كل لن يخلو الرادود من هذه الحالة في بعض مراحله وهي حالة فيها بعض من النتائج الصحية ,تعيد الرادود إلى جادة العطاء المتميز وتكون له بمثابة المؤشر المرشد 0 تطلعه بين فترة واخرى على ما خفي عنه من سلبيات عمله 0 ولا ينبغي للرادود أن يتبرم بهذه الحالة ويضعها عامل تثبيط لهمته 0 ليأخذ الجانب المفيد من هذه الحالة وهو ارشاده
الى هفوات انتاجه وليترك الجانب السلبي المحبط والموهن له , فبإمكان الرادود أن يستفيد من كل حوار لصالح تنمية قدراته 0 وليأخذ كل نقد بعين الاعتبارليصلح ما يعتور طاقته 0
3- الرادود الممدوح المذبوح
هذه المرحلة هي خلاصة ما نرمي اليه من دراستنا هذه وهي المرحلة الحرجة في حياة الرادود . مرحلة الإطراء والنفخ في أعطاف الرادود والكيل في آذانه بمكيال المديح وجمهورنا للأسف لايجيد المدح ولا الذم فهو مفرط في كليهما ولقد جاء في الحديث الشريف عن الإمام امير المؤمنين (ع) " اذا مدحت فأختصر واذا ذممت فإقتصر " فالمدح يجب ان لا يطول حتى لايعود بالوبال على الممدوح ، والذم اذا تجاوز الحاجة المرجوة وتفرع الى مثيلاتها سبب فشل الغاية المبتغاة 0
ولا يبعد ان يكون المدح منقسم الى قسمين:
قسم يمدح خصالاً وصفاتاً هي موجودة فعلاً في الشخص وقد يسرف المادح حتى في مدح وتزيين الصفات الموجودة فيفخمها الى مرتبة لم تبلغها فيخرج المدح عن حده الحقيقي والمقبول في بعض الاحيان ويصل الى الدرجة الممقوته ويتعدى الى مرحلة الضرر الذي يعزز الغرور والإغراء بالأنزلاق الى ما لا يرضى الله .
وقسم آخر يهب المدح بلا ثمن ويبالغ في إضفاء الصفات على الرادود حيث ان الكلام لا يكلف شيئاً ولا يحصل هذا الا من جراء الغفلة التي تعتور الناس عن الوبال القادم للرادود نتيجة مدحهم الفاحش هذا 0
ويل لكل ممدوح:
الآن وبعد أن انطلقت الكلمات تعملق الرادود ولا تترك صفة من صفات الاسطورة الا وتهبها له وبعد أن جعلته يرى العظمة حكرا على شخصه المقدس وبعد المدح والتمديح والتطويح وأجمل التصريح وبعد أن أغرقته في بحر أناه العميقة 0
دعونا نغوص مع هذا الرادود ( وهذه حالة نتعرض لها جميعا ) لنسبر أغوار محيطه ونبحث عن قرش الغرور ونشاهد كيف يفتك بهذا الضعيف 0
يصابح كل رادود منا فجر يومه فخورا بابداعاته المنقطعة النظير , يحدث نفسه ويقول :أنا فلتة الزمان ,أنا اذا أمسكت زمام الموكب امتلك انبهار الجماهير , أنا قدمت بحنجرتي ما تعجز عنه حناجر كل الرواديد , أنا صوتي مميز لا يجود به الزمان إلا نادرا وترى كل رادود منا يسلم رأسه للوسادة محشوا بجنون العظمة 0يستعيد مديح المتزلفين , ويكرر صور الاطراء على ذاكرته , ليسكر بها حينا من اللحظات 0 ترى كل رادود منا تبهجه نظرات الاعجاب المتناثرة من هنا وهناك , تراه يرمق تلك النظرات بزهو متخف0 وترى كل رادود منا يشعر بأصابع المعجبين تتقصده وتلاحقه حين يمر , مشيرة الى شخصه فتملأ راسه بمشاهد كالفيروسات تتنقل بين اطراف ذاكرته0
هذه لحظات تعاقرها كل نفس وتمارسها خواطر الممدوح لتهلكه في وحل الغرور لا أستطيع الجزم على الكل بغلبة المدح على نفسه . ففي رواديدنا من لايملك أذنه لزينة المدح وفيهم من يصون نفسه ويتابعها على الدوام . ولكنها حالة تعرض للجميع في دور من الأدوار .
بعد هذا الإستعراض لأزمة المدح نريد ان نرى بعض العلاجات الممكنة لهذه الحالة .
أولاً : على الرادود تجنب ألسنة المدح قدر الإمكان . وصنع القناعة النفسية بضررها على شخصيته وإيمانه . فما ورد في الحديث الشريف عن المقداد بن عمر قال امرنا رسول الله . ان نحثو في وجوه المداحين التراب . ربما لا يتسنى لنا ان نأخذ قبضة من التراب ونضعها في فم مداح متملق . 0 إلا انه بإمكاننا أن نصم أذان نفوسنا بقبضة من التقريع الداخلي 0 فعندما يمدح الرادود يستطيع ان يقول لنفسه أنا أعرف بنفسي من هؤلاء المداحين وأنا أبصر بعيوبي التي لايراهاهؤلاء , فعندما أرتاح لمدحهم أغفل عيوبي فتكثر اعتمادا على محاسن لا يضرني تجاهل مدحها0
ثانيا: لكل منا شيطا ن يغويه وقرين يرديه , يحبب له استماع المدح ويشوقه
(للتمتع بالإطراء القاتل ففي الحديث الشريف عن الامام علي (ع) قال (من
مدحك فقد ذبحك) 0 فمداحك لا يدرك خطورة كلماته على ذاتك فهو يطريك ليرديك , وليس بالضرورة ان يقتلك هو وانما يدنيك من طرف الهاوية حيث تزل قدمك 0 000 هو يمدحك وانت تصدق 00 وتكبر الحالة في الهاجس فترى نفسك في أعلى 00 والاعلى 00 الى ان تصل بنفسك لعلو يزين لك فيه الشيطان عمل أي جرم بحجة رفعة المكانة والشخصية الاخاذة , وانصياع الاخرين لرغباتك ، فتذبح نفسك بنفسك بالتمادي في الاخطاء والزلات0
ثالثا : على الرادود محاولة كبح جماح المحيطين عن المدح الزائد ليصون نفسه من كيد الشيطان وحبائله 0 ففي هذه الكلمات شرك الشيطان , فعادة ما تكون بداية الطريق لا توحي بخطورة الخاتمة ولا بأس أن نستعرض حديثا شريفا من السيرة النبوية0( روي أن رجلا مدح رجل عند النبي (ص) فقال : ويحك قطعت عنق صاحبك , لو سمعها ما أفلح 0 ثم قال إن كان لابد أحدكم مادحا أخاه فليقل أحب فلانا ولا أزكي على الله أحدا 0 حسيبه الله ان كان يرى انه كذلك) 0هذه الرواية تعلمنا أصول المدح وتلقيه وتعلم المادح حدود الحب في الله 0 فمن هذه الرواية نستلهم أكثر من بصيرة وعبرة وفهم
- نفهم من الرواية ان سماع المدح نتيجته عدم الفلاح وليس عدم الفلاح الا الخسران
- ونفهم منها ايضا امكانية المدح بمراعاة مزجه بالحب في الله 0 فالمتعلق لا ينبغي ان يوثق علا قته الا بما هو مرتبط بالله0
- ونفهم منها بقاء مساحة فارغة من المدح ليتسنى للممدوح ان يعي فيها فضل الله عليه 0
رابعا: على الرادود دائماً تطلب حسن العاقبة والخاتمة فكم من عمل كبير هدمه إعجابٌُ بالنفس تحول إلى غرور0 ولايعزز الإعجاب بالنفس مثل الإطراء 0 فإن الإطراء شرك الشيطان, لنا على سبيل المثال0 هذا الحديث قال الإمام أمير المؤمنين((ع)) حب الإطراء والمدح من أوثق فرص الشيطان0 فما دام الرادود قدم عملاً خالص فليواصل على خلوصه بتجنب الإنصياع للمداحين فالعمل يحتاج لديمومة الإخلاص معه0
فلو نويت عملاً خالص لكني أثناء العمل أنتقض الإخلاص كنت في كفة الخسران 00 أخوتي كل عمل إن قدمناه لله وابتعدنا عما يهدمه زكينا أنفسنا وارتفعنا في مراتب المرضي عنهم وأذكركم بكلمة للإمام علي يقول فيها: ( كم من مغرور بحسن القول فيه وكم من مفتون بحسن الثناء عليه)0 ولنكن على علم إننا في محطة إمتحان فحناجرنا نعم يبتلينا الله بها أنشكر أم نكفر فإذا جنحنا للرياء والغرور والعجب كفرنا بنعمة ليس بعزيز على الله أن يسلبها منا بطرفة عين0 ولندع حناجرنا ترتل ذكره ولنجملها بصفاء خلوصها لوجهه الكريم0
هـــذا الــمــوضــوع مـنـقـول من : الــرداود عــبدالشـهيد الثور
تــحــيــاتـــــــــــي لـلـجمـيـع